د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
لماذا بسط الله عز وجل يده لآدم عليه السلام؟
موقف من مواقف التاريخ العجيبة، هو موقف عن حوار بين رب العالمين وآدم عليه السلام بعد خلقه مباشرة، ثم استعراض لبعض مواقف آدم في حياته، روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ[1]، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا آدَمُ، اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ المَلَائِكَةِ، إِلَى مَلَإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ، فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ[2]، قَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ[3]، ثُمَّ بَسَطَهَا فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، مَا هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ[4]، فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَضْوَؤُهُمْ أَوْ مِنْ أَضْوَئِهِمْ[5]، قَالَ: يَا رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ[6]، قَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ: يَا رَبِّ زِدْهُ فِي عُمْرِهِ. قَالَ: ذَاكَ الَّذِي كُتِبَ لَهُ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ[7]، قَالَ: ثُمَّ أُسْكِنَ الجَنَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا[8]، فَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ، قَالَ: فَأَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: قَدْ عَجَّلْتَ، قَدْ كُتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ. قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكِ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً[9]، فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ[10].قَالَ: فَمِنْ يَوْمِئِذٍ[11] أُمِرَ بِالكِتَابِ وَالشُّهُودِ"[12].[13].
[1] وفي رواية للنسائي: فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: قُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ
[2] قال القارئ: مَذْهَبُ السَّلَفِ مِنْ: نَفْيِ التَّشْبِيهِ، وَإِثْبَاتِ التَّنْزِيهِ، مَعَ التَّفْوِيضِ، أَسْلَمُ.
[3] اليمين من البركة، ولذا يقول آدم أو الرسول صلى الله عليه وسلم: وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ
[4] قَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي رَأَى آدَمُ مِثَالَهُ وَمِثَالَ بَنِيهِ فِي عَالَمِ الْغَيْبِ
[5] بحسب نور الإيمان: قال بعض العلماء: كان في يده الصالحون من ذرية آدم، ولذا كانوا في اليمين، ويؤيِّده قوله: أضوؤهم فيعني هذا أن كلهم له ضوء.
[6] لعل وجه الجمع أن كليهما أُطْلِق عليه خليفة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [ص: 26] وعمومًا داود عليه السلام مثال عظيم في العبادة، وله في الإسلام مكانة كبيرة.
[7] وفي رواية أن عمر داود كان ستين سنة، وزاده آدم أربعين، أراد الزيادة أولًا من فضل الله، فلمَّا أبى اللهُ عرض أن تكون الزيادة من عمره هو، وكان الله قد أعلمه أن عمره ألف سنة.
[8] خدعه إبليس بمسألة الخلود: {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: 20]
[9] قال السيوطي: الذي عندي في توجيه حب آدم الحياة، وموسى، ونحوهما، أنهم لم يحبوا الحياة لذاتها، ولا كراهة للموت، معاذ الله، ولكن حُبِّب إليهم عبادة الله، ومحلها دار الدنيا، وبالموت ينقطع التكليف بالعبادة، فأحبُّوا طول البقاء ليستكثروا من العبادة.
ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في رحلة الإسراء موسى عليه السلام قائمًا في قبره يصلي، وهذه متعته قد أعطاها الله له مع انقطاع التكليف.
[10] الجحود هنا لعدم التذكُّر، ويبعد أن يكون جحد وهو يدرك. ولكن عادة يجتهد العقل في دفع الإنسان إلى نسيان ما يكره
[11] أي: من يوم جحد آدم، وهذا هو معنى الجحود في الحديث، ولابد أن يؤخذ في طور تقدير الأنبياء، وفهم درجة إيمانهم الكبرى.
[12] الترمذي: كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب 94 (3368) وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم من رواية زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الألباني: حسن صحيح.
[13] لمشاهدة الحلقة على يوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك